في ذكرى استشهاد الطفل محمد الدرة... وداعا
الكاتب: الباحث : نشأت الوحيدي
بحثت عن كلمات أسد بها عطش وظمأ الآلاف بل الملايين من أبناء شعبي الفلسطيني لنسمة من بسمة وحرية في ظل عدوان صهيوني متواصل لا يرحم بشرا ولا حجرا ولا شجرا ...
عدوان أشبه بالنازية والفاشية ... بل هو الفاشية بعينها والعنصرية بحقدها الدفين واللعين ...
تسع من السنين مرت على استشهادك يا محمد في 30 / أيلول 2000م وما انتهت وكأنها أفعى تعصر الجسد وتبث فيه سما وسرطانا يتغلغل رويدا .. رويدا على مسمع ومرأى العالم المتحضر الذي يتمتع باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان من بعيد ...
قانون دولي متواطيء ... وقانون إنساني لا نجده إلا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي تحتفل به الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام .... قانون إنساني لا نجده إلا في ميثاق الأمم المتحدة وفي مؤتمرات إعلامية ودولية تخلو من شهود العيان ومن ضحايا جرائم الحرب التي ترتكبها دولة الإحتلال الأخير في العالم الذي يتغني بالديمقراطية وحقوق الإنسان ....
كنت في الثلاثين من أيلول 2000م بالقرب من المكان الذي استشهد فيه الطفل الفلسطيني البريء محمد جمال الدرة برصاص القناصة الإسرائيليين .... كان اليوم الثالث لانتفاضة الأقصى والإستقلال ...
وكانت النيران الصهيونية لاتفرق بين شيخ أو امرأة وطفل ... كانت المذبحة في بدايتها ... وأذكر الشهيد العطلة والذي استشهد في تلك الغرفة الإسمنتية مقابل مغتصبة ما تسمى بلغة العدو " نيتساريم " حيث أصبحت في لغتنا العربية وفي لهجتنا الفلسطينية " مفرق الشهداء " ومن قبل كانت " البوليس الحربي " ..... حيث كانت أيضا في 28 / فبراير من العام 1955م مذبحة البوليس الحربي والتي استشهد فيها 39 جندي فلسطيني وكان بطل تلك المذبحة الصهيونية الإرهابي شارون وكان برتبة ملازم أول كما يقول شهود عيان على المذبحة وهم أحياء حتى يومنا هذا ومنهم أقرباء لي من شهود العيان وأقرباء من شهداء المذبحة الصهيونية وعلى سبيل المثال الشهيد البطل حاتم الوحيدي وأيضا من الشهداء عم سفير فلسطين في الباكستان الشهيد أبو شنب وهو بالمناسبة شقيق الدكتور حسين أبو شنب ... نعم فإرهابي مذبحة البوليس الحربي في العام 1955م هو السفاح " اريئيل شارون " والذي قاد في حينها فرقة الموت الصهيونية المعروفة تاريخيا باسم الفرقة " 101 " كما هو الذي كان سببا في اندلاع انتفاضة الأقصى والإستقلال في 28 / أيلول من العام 2000م حيث حاول تدنيس المسجد الأقصى المبارك بزيارته المشؤومة والمدروسة ضمن المخططات الصهيونية الهادفة على مر التاريخ لتدنيس وتهويد مدينة القدس العربية الشريفة ...
نعود ثانية للمشهد الحزين الذي رسمه الطفل البريء الشهيد محمد الدرة والذي لم ترحم رصاصات الغدر والإرهاب الصهيوني طفولته في الثلاثين من أيلول 2000م ...
حتى لحظة كتابتي للمقال وكأني أسمع صوت البراءة القتيلة ... أسمع صوت محمد الدرة يستنجد ويستغيث ... ويستغيث وكأنك يا محمد الدرة أسمعت إذ ناديت حيا .. ولكن يا ولدي لا حياة لمن تنادي ...
في ذكرى استشهادك يا محمد والتي تصادف يوم غد الموافق 30 / 9 / 2000م ... كأني أسمع صوتك يا محمد ... يا طفلنا الشهيد .. كأني أسمع صراخك الذي يأبى أن يفارق مخيلتي كأني أسمعك يا طفل فلسطين وأنت تخاطب الضمير العالمي ... ومنظمات حقوق الإنسان ... والأمم المتحدة ... كأنك تصرخ يا محمد ... من قلب الموت .. يا هيئات الأمم .. نبعث إليكم برسالة البراءة والطفولة ... كأن دماءك الطاهرات يا محمد توحدت مع دماء فارس عودة ، ومع دماء سارة ، وإيمان ، ومع دماء الطفلين الشقيقين الشهيدين شهيد وملاك ... كأنكم جميعا يامحمد تصرخون وقد ولدتم قبل الولادة ، وكبرتم قبل الكبار ... كأنكم تصرخون وتبعثون رسالتكم إلى ساحات القضاء المسؤولة ... من تحت الرصاص والأنّات ، كأنكم يا محمد كنتم تحلمون ببسمة في ظل خميلة .. أو بوردة بدل الرصاص .. وبحياة في المدارس وسكينة في أحضان الأمهات الجليلة ... كأني أسمعك وصحبك يا أيها الطفل الشهيد وأنتم تخططون للعب في العيد بعيدا عن مسارح التمثيل العليلة ... وتطلبون الرسم بحبر السلام وإزالة الإحتلال من أحلامكم وقطع اليد المغلولة ...
كأني أسمع نشيدكم يا محمد وأنتم تحلمون بالصلاة في القدس وهي يا بني .. قبلتنا الأولى ...
أعلم يا شهيدنا .. يا طفلنا ... يا حبيبنا ... يا ملاك روحنا ... بأن نصيبكم دوما كان مؤتمرات مسلولة ... وأن أنياب الثعالب لم ترحم طفولتكم ... والجرائم يا حبيبي الشهيد ليست مجهولة ... واغتيال الطفولة يا باراك ليس بطولة ...
وأعلم يا محمدأ، الحبر العربي السرمدي قد جفّ ... وأعلم أن الأسماء والمسميات والأسياد يا حبيبي الشهيد محمد .. باتت كلها وكأنها سيدة خجولة ....
يجب أن أصيغ باسمكم رسالة إلى أولياء أمور الطفولة في العالم ... بل وإلى أطفال العالم .. أن " اتحدوا " وتعالوا في رحلة من نوع آخر ... تجوّلوا في نكبة شعب ... شدّوا رحالكم إلى المكان الذي استشهد فيه زميلكم الطفل محمد الدرة ... خلّدوا مكانه وازرعوا شتلة ... اطلبوا من آبائكم أن يرافقونكم لنصرة دماء محمد الدرة ... فلعل الذاكرة تسعف آباءكم ... فيتيهون في رحلة الخجل والعار ويبعثون من جديد سفراءا للنوايا الحسنة ... ولكن بأسماء معقولة ... وفي الختام يا حبيبي الشهيد الطفل محمد الدرة وفي ذكرى استشهادك التاسعة والتي تتزامن مع العدوان الصهيوني الجديد على المسجد الأقصى المبارك فإنني أقول مذكرا الصهاينة وعلى رأسهم باراك ، ونتانياهو ، واشكنازي ، وليبرمان ، ويشاي هداس بأن الجنرال الفرنسي شارل ديغول قال في العام 1958م " أن جيشه الفرنسي يضم " 500 ألف جندي " وأن لقواته القدرة على السيطرة على الجزائريين عددا وعدة ، وقال : إننا الأقوى – نقتل من الجزائريين الآلاف ، ونقمع ، ونسجن ... ولكن ديغول أضاف بأنه سيكون شيئا من الجنون التصوّر بأننا بقوتنا نستطيع السيطرة على شعب آخر وأضاف ديغول في حينها – أخلاقيا ومعنويا نحن الخاسرون .. إذ أن خوفنا وقلقنا أكبر من قلق وخوف الجزائريين " ولتعلم النخبة الحاكمة في تل أبيب ومن هم من أصحاب القرار في دولة الإحتلال الصهيوني بأن الشعب الفلسطيني الأعزل إلا من الإيمان باللله وبعدالة قضيته المقدسة أقل بطولة من الجزائريين ومن الفيتناميين وشعب فيه أمهات مثل تلك الأم من مخيم جباليا والتي صرخت في وجه جنرال صهيوني " قتلتم أبنائي ، و قتلتم زوجي .. لكني حامل وسألد طفلا يحمل حجرا ويطاردكم حتى ترحلوا عن بلادنا " ...
شعب كهذا لا خوف عليه ولن يتخلى عن لاجئيه وحريته واستقلاله الوطني وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف فتحية لروحك وذكراك الخالدة يا محمد ... والمجد والخلود لشهداء فلسطين العظام ... ووداعا .. وداعا .
