بعد القمة الثلاثية: إنجاح الحوار هو الرد المطلوب...
سلم خالد مشعل رد حركة حماس على الورقة المصرية، وبهذا الرد تكون ردود جميع الفصائل والأحزاب والشخصيات الوطنية والمستقلة، قد قدمت، والكرة الآن أصبحت مرة أخرى في الملعب المصري.
الردود على الورقة المصرية كانت بالإجمال إيجابية، وخصوصا من حركتي فتح وحماس.
ففتح وافقت على الورقة وقدمت ملاحظات أبرزها حول ضرورة تحديد موعد محدد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية لا يتجاوز منتصف العام القادم، وضرورة تحديد مرجعية ومهمات اللجنة الفصائلية المشتركة بما يحول دون تحويلها لجنة للتنسيق بين حكومتين ما يكرس الانقسام ويجعله أمرا واقعا حتى اشعار آخر.
حركة حماس هي الأخرى قدمت ردا إيجابيا وطرحت أسئلة وملاحظات تركزت على ضرورة النص على عدم إجراء الانتخابات قبل إنهاء الانقسام، وأن تشمل صلاحيات اللجنة المشتركة واصلاح الأجهزة الأمنية الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن تتم معالجة ملف المعتقلين السياسيين قبل التوقيع على اتفاق المصالحة.
الأجواء الإيجابية المتفائلة التي أحاطت بالورقة المصرية، توحي بأن التوقيع على اتفاق المصالحة بات قاب قوسين أوأدنى.
يؤسفني أن أكتب بصورة تتعاكس مع أجواء التفاؤل السائدة. والسبب في ذلك أنني لا أريد أن نطعم أنفسنا جوزا فارغا، لأن أي اتفاق لا يشمل إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني واستراتيجيات تحقيقه، ولا يقوم على أسس تضمن تحقيق المساواة والشراكة والتعددية، ولا يشمل الاتفاق على مرجعية واحدة تحدد الأهداف الأساسية وأشكال النضال والعمل الرئيسية وقواعد العمل السياسي والديمقراطي، ويقوم على تجاهل قضايا الخلاف وإيجاد مخارج مؤقتة لها، لن يرى النور. وإذا تم التوقيع عليه لن يعمر سوى فترة مؤقتة.
عند التوقيع على اتفاق مكة كتبت أن هذا الاتفاق لن يعمر سوى ثلاثة أشهر لأنه قام على أساس المحاصصة الفصائلية الثنائية، وعلى أساس برنامج سياسي حمال أوجه، بحيث فسرت حركة فتح البرنامج كما يحلو لها، وركزت على العبارة التي تتحدث عن الالتزام بالاتفاقيات.
وفسرت حركة حماس البرنامج كما يحلو لها، وركزت على العبارة التي تتحدث عن احترام الاتفاقيات. وهذا أدى الى أن تكون الحكومة ببرنامجين وهذا جعلها تنهار أمام أول تحدٍ يتعلق بكيفية التعامل مع الأجهزة الأمنية، التي تم تأجيل البت بها.
إن الخلاف المستمر حول موعد إجراء الانتخابات والمعتقلين واللجنة المشتركة والقوة الأمنية المشتركة، يجب عدم الاستهانة به، خصوصا كونه يترافق مع القفز عن مسألة تشكيل حكومة وفاق وطني، الأداة الوحيدة القادرة على توحيد المؤسسات المنقسمة والأجهزة الأمنية، وهذا يجعلنا نخشى من الفشل القادم للحوار أكثر بكثير مما نأمل نجاحه.
إن ما حدث خلال الأسبوع الماضي بعقد القمة الثلاثية الأميركية الفلسطينية الإسرائيلية دون تجميد الاستيطان، ودعوتها ودعوة اللجنة الرباعية الدولية لاستئناف المفاوضات بأسرع وقت من دون شروط مسبقة، وتراجع إدارة اوباما عن المطالبة بتجميد الاستيطان الى تقييده فقط، والامتناع عن تنفيذ وعدها بتقديم خطة ملموسة للسلام، يوضح أن الحل ليس على الأبواب، وأن الرهان على الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي، ووضع كل البيض الفلسطيني في سلة خيار وحيد هو خيار المفاوضات هو رهان خاسر.
فلا يمكن الاستفادة من المتغيرات الدولية والإقليمية، وحاجة الإدارة الأميركية الجديدة لتجاوز الهزائم والمآزق التي وضعت إدارة بوش السابقة الولايات المتحدة الأميركية في اتونها، إلا بالاعتماد على الذات ووضع استراتيجية فلسطينية جديدة تفتح الطريق لتعدد الخيارات وتعطي الأولوية لإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
تأسيسا على ما سبق، ما كان صالحا قبل قمة نيويورك، لم يعد صالحا بعده.
إن الرهان على العامل الدولي لإنجاز الحقوق الفلسطينية وحده لا يوصلنا لتحقيق هذه الحقوق وإنما يعيدنا الى دوامة المفاوضات العبثية، التي ستساهم بتعميق الانقسام الفلسطيني وابعاد الخيار الفلسطيني وتقدم الخيارات الإسرائيلية، رغم الاهمية الحاسمة للعامل الدولي وعدم واقعية تجاهله ولكن من دون الرضوخ التام له.
وإذا كان هناك ما يبرر للقيادة الفلسطينية انتظار ما سيقدم عليه باراك اوباما قبل التحرك نحو إنهاء الانقسام حتى لا تقيد الوحدة هامش المناورة أمامها، فإن ما حدث في القمة الثلاثية وجه ضربة قوية للسياسة الفلسطينية التي رفعت صوتها ووضعت ثقلها وراء تحقيق مطالب والتزامات أبرزها تجميد الاستيطان تجميدا تاما، وتحديد مرجعية المفاوضات، وضرورة أن تنطلق أي مفاوضات قادمة من النقطة التي وصلتها المفاوضات السابقة، وليس من نقطة الصفر، لتجد نفسها أمام ضغوط دفعتها للمشاركة بالقمة الثلاثية من دون تحقيق أي من شروطها، وأمام ضغوط عليها للموافقة على استئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة، في الوقت الذي تقوم فيه حكومة نتنياهو بوضع كل الشروط وخلق كل الحقائق على الأرض التي تجعل إمكانية تحقيق السلام من رابع المستحيلات.
إن إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام هو الرد المنطقي الوحيد على الاستخفاف الأميركي والدولي بالحقوق والمطالب والمصالح الفلسطينية والعربية، كما أن تركيز الجهود على بناء الخيارات البديلة أصبح ضرورة غير قابلة للانتظار، لأن وجود خيارات أخرى وحده يمكن أن يجعل المفاوضات مثمرة وقادرة على تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
الفلسطينيون بحاجة الى الاتفاق على استراتيجية واحدة قادرة على فتح ثغرة تمكنهم من التقدم على طريق تحقيق أهدافهم الوطنية من دون أوهام عن حل قريب يقف على الأبواب، وعن طريق العمل على تجميع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية!
فهل تكون القيادات والفصائل بمستوى التحدي وتغلب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفردية والفئوية والفصائلية؟ أم تبقى تدور في دوامة الانقسام المدمر؟
في كل الأحوال على الشعب التحرك لفرض إرادته على الجميع، فهو الخاسر الأكبر من الانقسام ومن استمرار العدوان والاستيطان والجدار والحصار!!