ما بعد جريمة مطعم حرب ........ ؟؟؟
الكاتب: محمد أبو مهادي
الكوارث الطبيعية تاتي فجأة دون سابق انذار، واحياناً تكون متوقعة في حالات معينة حيث تاخذ الحكومات استعداداتها لمواجهتها وللتقليل من حجم الاضرار المتوقعة منها سواء كانت اضراراً مادية او بشرية، وفي العادة تكون حماية البشر اول اولويات الحكومات التي تحترم نفسها وتهتم بسلامة مواطنيها.
عنونت مقالي "ما بعد جريمة مطعم حرب" ليس بقصد التهويل بل بقصد التمييز ما بين الكارثة وضحاياها والجريمة وضحاياها وقصدت الجريمة بكل معنى الكلمة نظراً لتكرار حدوثها في الاراضي الفلسطينية ونظراً لتكرار صمت وعجز الحكومات والجهات الرسمية عن مواجهتها واتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوعها، وعدم فرض شروط الوقاية والسلامة المهنية على وفي جميع مواقع العمل .
الجرائم الناتجة عن غاز الطهي ظاهرة اصبحت منتشرة في قطاع غزة فبعد ان فجع الكثير من مواطنى محافظة الخليل بكارثة مصنع الولاعات قبل سنوات استمرت هذه الحوادث تارة في محافظة خانيونس من احد مروجي الغاز وتارة اخري في بعض محطات وقود او في السيارات التي كانت تعمل على غاز الطهي في فترة انقطاع توريد الوقود الى قطاع غزة وصولاً الى جريمة مطعم حرب التى حدثت بتاريخ 17 اغسطس 2009 وسط مخيم جباليا وفي اكثر منطقة شعبية ازدحاماً نتيجة اقبال المواطنين على التسوق لاستقبال عيد الفطر السعيد واصبح غير سعيد في مخيم جباليا.
هذه الجريمة راح ضحيتها حتى الان سبعة مواطنين اضافة الى عشرات المصابين من المارة ومن جيران المطعم والعاملين فيه، ووصفت العديد من الاصابات بالخطيرة جداً لان النيران اتت على ما يزيد عن 90% من مساحة الجلد، اضافة الى الاضرار المادية في ممتلكات بعض المواطنين المحيطين بمكان الجريمة.
الدفاع المدني التابع لحكومة حماس قال ان الحادثة " الجريمة" نتيجة تسرب غاز الطهي وانفجار انبوبة غاز من صنع محلي ادت الى اندلاع حريق هائل بالمكان ونتج عنه هذا الكم من الضحايا.
ليس الملفت للنظر هو تصريحات مدير عام الدفاع المدني في حكومة حماس، بل المثير للسخرية هو عدم اتخاذ أي تدابير وقائية تكفل عدم تكرار هذه الجريمة وتكفل سلامة وأمن المواطنين في محيط هذه التجمعات من المطاعم الشعبية التي باتت منتشرة جداً في وسط المخيمات والمدن اضافة الى التغييب المتعمد لتحديد مسؤولية وقوع هذه الجرائم، ومن المسؤول عن تعويض الناس في أرواحهم وممتلكاتهم التي تذهب هدراً أمام عجز واستهتار الجهات الرسمية؟
بعد أيام قليلة من حدوث جريمة مطعم حرب ذهبت للتسوق في سوق الخضار بمخيم جباليا لاجد نفسي بجوار احد المطاعم الشعبية حيث لا تزيد مساحة هذا المطعم عن اربعة امتار مربعة وفيه كل معدات الطهي وغاز الطهي وحوله المئات من السكان الذين ينتظرون انفجار اسطوانة غاز جديدة وقد تكون ايضاً من صنع محلي وقد لاحظت ان مساحة هذا المطعم اضغر بكثير من مساحة مطعم حرب وان اسطوانة الغاز من الحجم الكبير تقع على مسافة لا تبعد 30 سم عن اللهب وزاد اطمئناني بان الاجراءات الاحترازية للوقاية والسلامة في اعلى مستوياتها !!!!
جريمة مطعم حرب تكشف التالي :
أولاً/ ان حياة المواطنين في قطاع غزة لا تساوي أي جهد حكومي او اجراء اداري حكومي يكفل منع تكرار هذه الجرائم في غزة ويضمن الوقاية والسلامة للمواطنين والعاملين في المنشات الصناعية والتجارية المختلفة ، وهنا يبرز التساؤل عن دور الرقابة والتفتيش في وزارة العمل ودور البلديات في منح التراخيص لهذه المنشات.
ثانياً/ هناك غياب شبه كامل لأي جهد شعبي لمواجهة وجود هذه المنشات في وسط التجمعات السكانية وهذا خطير والاخطر منه الصمت المطبق من النقابات العمالية ومن المنظمات الاهلية وفي مقدمتها منظمات حقوق الانسان التي يبدوا انها لا ترى في الحق في الحياة الامنة والكريمة ضرورياً في قطاع غزة بعد صمتها وتواطئها في معالجة ملف ضحايا الانفاق على الحدود المصرية.
ثالثاً/ من المسؤول عن تعويض ضحايا هذه الجرائم؟ هل هي الحكومة التي منحت التراخيص لهذه المنشات وغضت البصر عنها واهتمت بجباية الضرائب منها فقط؟ ام اصحاب المناشات الصناعية والتجارية اللذين راحوا هم ايضاً ضحية استهتارهم بشروط الصحة والسلامة المهنية؟ ام المسؤول هو المواطن الذي شاءت الظروف ان يتواجد في مكان الجريمة؟ ام يتجه المواطنون الى الله بالدعاء والمغفرة والشفاء على اعتبار ان الحادث كان قضاءاً وقدر وكان مقدراً لهم بان يموتوا حرقا امام مطعم او محطة وقود او في نفق طلبا للرزق من الله؟
عشرات الحوادث اليومية التى تزهق فيها ارواح الابرياء دون أي حراك رسمي او شعبي من حوادث المطاعم الي حوادث السيارات والدارجات الهوائية المنتشرة في غزة الى حوادث الانفاق ولا يوجد حسيب او رقيب، والغريب العجيب هو ان استبدال القوانين والتشريعات بما بات يعرف "بالديّات" وعندما تصل الامور الى هذا المستوى من الاستهتار والانحدار الاخلاقي يخرج البعض ليقول الي بتعرف ديته اقتله وهناك حكومة جاهزة لتشريع الديّات.