صوت فتح ـ أضيفت إلى الساحة الفلسطينية حالة جديدة من التوتر الناجم عن الانقسام الداخلي، تتعلق بالانتخابات الفلسطينية المتوقع إعلانها في أية لحظة، والمرهونة أصلاً بالحوار الفلسطيني، سواء نجحت الجهود المبذولة لإتمامه أم فشلت. وتدور في الأفق ثلاثة سيناريوهات أقلها مرارة ما قد ينتج عن التوافق الفلسطيني، لكن الوقائع على الأرض تنعكس على هذه الانتخابات سلباً قبل أن تبدأ.
أول هذه السيناريوهات، حمله الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته إلى القاهرة، حيث أكد مقربون منه لـ«السفير» أنه «حصل على تأييد مصري، من أجل تحديد موعد الانتخابات خلال أيام، ما لم توافق حماس على ورقة المصالحة».
وحسب القانون الأساسي (الدستور الفلسطيني المؤقت)، فإن موعد الانتخابات الفلسطينية مقرر في الخامس والعشرين من كانون الثاني المقبل، وهذا يتطلب مرسوماً رئاسياً يؤكد هذا الموعد قبل تسعين يوماً. وعلى هذا الأساس فإن على الرئيس الفلسطيني إصدار مرسوم لإجراء الانتخابات في الموعد المذكور ربما قبل نهاية الأسبوع الحالي، وبعد اجتماعه مع المجلس المركزي لمنظمة التحرير غداً السبت.
ويقول خبير الاستطلاعات ومدير دائرة الإعلام في «مركز القدس للإعلام والاتصال» خضر خضر إنّ تحديد موعد الانتخابات وفق الدستور ومن دون موافقة حماس سيقود الأخيرة إلى رفضها، وعدم السماح بإجرائها في غزة، وهنا سيضطر الرئيس الفلسطيني إلى إعلان القطاع منطقة متمردة، أو ربما قد يقبل بتكرار ما حصل خلال مؤتمر فتح الأخير، والدعوة إلى اعتماد تصويت أهل غزة من خلال الهواتف. ويضيف أنه «حتى وإن تم ذلك فإن حماس ستعتبر الانتخابات غير شرعية وهذا بلا شك سيكرس الانقسام إلى الأبد، وسيكون الصلح من شبه المستحيل، وسنفقد الأمل الضئيل المحتمل حالياً».
من جهته يرى المحلل السياسي والمحاضر في جامعة «بيرزيت» سميح شبيب أن السيناريو الثاني، والبعيد عن «الواقعية»، يكمن في توافق الأطراف كافة على موعد الانتخابات الفلسطينية في منتصف شهر حزيران المقبل، وفق ما نصت عليه الورقة المصرية للمصالحة، والتي دخلت في مرحلة مخاض عسير لم تنتج عنه حتى اللحظة أية بوادر ايجابية.
وبموجب هذه الانتخابات، يرى شبيب، إن الوضع سيبقى صعباً، فليس من «الوارد» بناء على ما تفرضه الظروف على الأرض أن تقبل حماس بعودة فتح إلى حكم قطاع غزة «المحرر»، والأمر ذاته لن تقبل به فتح في الضفة، وإن كانت حماس نفسها ترفض أن تكون في الواجهة نظراً للاحتلال الإسرائيلي للضفة. ويشير إلى أنّ «الواقع على الأرض يفيد بان فتح لا تريد حماس، والعكس صحيح، فإذا ما قيمة الانتخابات التي لن تقبل بها أطراف الصراع».
ثمة أمر محتمل في هذا الإطار، يقوم على أساس توافق فتح وحماس على حكومة وحدة وطنية تسيّر أمور الأراضي الفلسطينية، لكن هذه الحكومة وإن «لم تعترف بشروط الرباعية الدولية فإنها ستصطدم بحصار مشابه لذلك الذي تمّ حين تولت حماس السلطة، وهذا برأي شبيب «سيعقد المسائل».
وفي حال لم يكن الرئيس الفلسطيني، «ومن باب حرصه المستمر على بقاء رصاصة الرحمة في جيب مسدسه قبل أن تطلق على نعش المصالحة»، فإن السيناريو الثالث سيكون بمثابة تمديد للحالة الفلسطينية الراهنة، يقول شبيب. ويضيف إنه «بعد الشهر الأول من العام المقبل، ربما يقوم الرئيس بتمديد ولايته وولاية المجلس التشريعي الى حين حل للخلافات، لكن هذا سيفقد الشرعية للجميع».
لكن حتى وإن جرى فعلاً تنظيم انتخابات فلسطينية بغض النظر، عما كان ذلك بالتوافق أو من دونه فإن «الشعب هذه المرة سيكون حكماً بسوط قاس، فهناك من سيدفع الثمن، وهناك رؤوس حان وقت قطافها، وهناك أحصنة سوداء قد تظهر للعلن»، حسبما يرى خضر، الذي يشير إلى أنّه «في الحالة الفتحاوية، تعيش الحركة، التي انتعشت مؤخراً بعد مؤتمرها السادس، صراعاً داخلياً مريراً يقوم بين قطبين رئيسين، وأقطاب أخرى هامشية كل منها له كلمته حين يوم الفصل».
وأوضح أنّ «الحركة تعاني من أزمة ثقة في الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس، قائدها، والقائم على عرشها، والذي تعرّض لهزة قوية بعد تأجيل تقرير غولدستون، وتراجعت شعبيته، وفي مقابل ذلك فإن جمهور فتح ربما سأم من المفاوضات العبثية التي يصرّ عليها عباس، وبدأ يرغب في تيار أكثر توجهاً نحو المقاومة، يعيد لها الإرث المفقود، وهذا التيار متمثل بشخص مروان البرغوثي، الذي قد يحرّر في أية لحظة في ظل الحديث عن صفقة حماس وإسرائيل لتبادل الأسرى».
يتابع «أما حماس، التي قادت الشعب إلى الحصار، وتلاعبت بمشاعر الفلسطينيين باستغلال شعار المقاومة فإنها أمام مفترق صعب، فهي، وفق الاستطلاعات، تعيش حالة من تراجع الشعبية لا سيما بعد حرب غزة التي تسببت لنصف الناخبين الفلسطينيين في القطاع بآلام، وخسائر مادية وبشرية».
في ظل كل هذا تبقى الطرق ممهّدة لبروز وجوه فلسطينية جديدة قادمة من قطاع المال، وهنا يبرز اسم سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي الذي تمكّن عبر فترة توليه رئاسة الحكومة الفلسطينية من «كسب شعبية بسبب سلسلة من الإصلاحات التي قام بها خلال رئاسته الحكومة الفلسطينية».
وتبقى إسرائيل في ظل كل هذا تراقب الوضع عن كثب، لتفترس بمخططاتها الاستيطانية، كل مشاريع الدولة الفلسطينية التي ستسعى الأحزاب المختلفة إلى طرحها كأجندة واجبة التنفيذ، وفي الوقت ذاته سترفض تل أبيب أي توليفة فلسطينية فيها عناصر من حماس. أما اللاعبون الآخرون على الساحة الفلسطينية فلهم أيضاً كلمتهم، ففي غزة هناك قيادة تستمد دعماً من إيران وسوريا، يقابلها دعم سعودي مصري للقيادة الفلسطينية في الضفة. وحتى يكون هناك مجال للمصالحة لا بدّ أيضاً من توافق بين هذه الأطراف التي ترى في «إمارتي فتح وحماس» أجواء للمناكفة لا يمكن طمسها.
مـــــــــــــــــــــنـــــــــــــــقـــــــــــولــــــــــــــــــــــــ